أكاديميون يفككون أبعاد وفلسفة التقييم البرلماني للسياسات العمومية كاختصاص مؤثر على نجاعة الفعل العمومي
أبرز أساتذة جامعيون، اليوم الاثنين بمجلس المسشارين، أبعاد وفلسفة التنصيص على التقييم البرلماني للسياسات العمومية ضمن المنظومة الدستورية التي ارتقت بالسلطة التشريعية للبرلمان، ومك نته من التعاون مع السلطة التنفيذية.
ولفت الأكاديميون، خلال أشغال ندوة نظمها المجلس حول موضوع “التقييم البرلماني للسياسات العمومية: المرجعيات ومداخل التجويد”، إلى أن دستور 2011 الذي يصفه بعض الباحثين بدستور “تقييم السياسات العمومية” تناول مفهوم التقييم في سبعة فصول، خاصة فيما يتعلق بالعلاقة بين البرلمان وتقييم السياسات العمومية، وبذلك فهذا الدور، لم يكن بالنسبة للمشرع الدستوري مجرد وظيفة جديدة وإنما صلاحيات تنطوي على أبعاد سياسية ودستورية عميقة.
في هذا السياق، أبرز أستاذ التعليم العالي بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، رشيد المدور، أن الدلالة الأولى لدسترة تقييم السياسات العمومية تتجلى في إرادة المشرع من أجل تقوية اختصاصات البرلمان، وتحويل البرلمان من مؤسسة كباقي المؤسسات الدستورية إلى مؤسسة تجسد السلطة التشريعية، “وهو تحول مهم في المغرب”.
وأضاف المدور، أن الدلالة الثانية، وهي عميقة، ترتبط بجعل لحظة تقييم السياسات العمومية أفقا للتعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، لأن هناك نوعا من التقارب بين تقييم السياسات والدور الرقابي للبرلمان، لكن “المشرع الدستوري دون أن ينفي الارتباط بينهما أراد أن يعطي للتقييم أبعادا أخرى تختلف عن الدور الرقابي ولذلك نص عليه بطريقة مستقلة ضمن وظيفة البرلمان”.
وبذلك، يواصل الأستاذ الجامعي، أن البرلمان أصبح شريكا للسلطة التنفيذية ومسؤولا عن إنجاح السياسات العمومية، مشيرا إلى أن لحظة التقييم تحولت إلى أفق للتعاون بين السلطتين والذي يظهر من خلال سهر البرلمان على التوزان المالي للدولة مثله مثل الحكومة”.
وبخصوص الدلالة الثالثة، أكد الأكاديمي أن تقييم السياسات العمومية يشكل أداة دستورية من مقومات الحكامة الجيدة التي تشكل أسس النظام الدستوري بالمغرب لأن” نتائجها ستفضي إلى توصيات مفيدة للعمل الحكومي لتدارك النقائص وتجاوز الاختلالات التي وقعت خلال الممارسة”، مضيفا أن التنصيص على الطابع البرلماني ضمن تعريف النظام السياسي المغربي، هو تأسيس لعهد جديد من شأنه الإعلاء من مكانة البرلمان المغربي.
من جانبه، اعتبر أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس بالرباط، عبد الله ساعف، أن تنصيص دستور 2011 على عدة مواد حاملة لمفهوم تقييم السياسات العمومية وإدماجه في مستويات متعددة للخريطة السياسية، هو تمرين ديمقراطي أساسي، يبرز أهمية التساؤل من جديد حوله، وحول الجهات التي تضطلع بهذا الدور، للوقوف عند “تعدد المضامين” الذي يطرحه المفهوم ذاته.
وأكد ساعف، أنه منذ سنة 2011 صار التقييم جزءا لا يتجزأ من النسق السياسي ويمارس من طرف عدة مؤسسات، متسائلا حول ما يو حد ممارسة التقييم بين مختلف المتدخلين، باعتبارها ثقافة تجاوزت مرحلة ما أسماه “الموقع الغامض” السابق للفاعلين السياسيين تجاه التقييم بخصوص وقت وجدوى هذه الوظيفة، إلى جانب التقارير الحاملة لتقييم السياسات والتي كانت “تأتي كأحداث كبرى وتخلق تفاعلات غير عادية”.
وسجل الأستاذ الجامعي، أن تغيرا طرأ على المشهد السياسي، “حيث أصبحت ممارسة التقييم شبه طبيعية، لأن من أهدافها تصحيح سياسة معنية أو برنامج معين”.
وبعدما لفت الأكاديمي إلى ما تطرحه الموارد البشرية والخبرة من تحديات على مستوى ممارسة التقييم، جد د التأكيد على أن “التقييم” كلمة- مفتاح أساسية تبرز في عدة مواقع في الحياة السياسية، مشيرا إلى أن هناك أدبيات أساسية حولها بدأت تتوفر وأن المعاينة البحثية الأكاديمية لا تزال مفتوحة ومواكبة لكل ما ي نج ز في الميدان، ولذلك لا بد من الإنصات إلى الممارسين”.
من جهته، أكد أستاذ التعليم العالي بجامعة القاضي عياض بمراكش، محمد الغالي، أن موضوع تقييم السياسات العمومية يطرح سؤال التمكين المرتبط بالإنسان، كما يشير إلى أن “الدولة في حالة فعل، وما ت نتجه يكتسي علاقة بشرعية النظام السياسي”.
وأوضح الأستاذ الجامعي أن تقييم السياسات العمومية مرتبط بشكل وثيق وم هم بمفهوم “المعطيات والمعلومات”، وهو ما يفرض ضرورة شفافية وانسيابية المعلومات، بالإضافة إلى تعبئة الإمكانات والموارد، التي تطرح تحديات، إلى جانب الالتزام، وانتظامية فعل تقييم السياسات العمومية داخل الدولة.
وأشار الأكاديمي إلى إشكالية التوفيق بين القانون والملاءمة، داعيا إلى استحضار تجارب دولية أخرى، لأن “الدستور قد لا يحل المشكل ومن ثم من الممكن أن يكون النسق قادرا على خلق قيم التعايش والقيم السياسية لتدبير السياسات العمومية من طرف فاعلين بتعاون والتقائية وتظافر”، لافتا في هذا الإطار، إلى أن مجالس العمالات والأقاليم موحدة ترابيا، وقد مكنها القانون التنظيمي من تحقيق التعاضد بين الجماعات، لكن ثمة إشكالية مرتبطة بجوانب سياسية ينبغي على الأحزاب السياسية تجاوزها.
ويأتي تنظيم هذه الندوة وعيا من مجلس المستشارين بأهمية وظيفة التقييم كاختصاص منوط بالبرلمان، وما تتطلب ممارستها من مهارات تقنية ومهنية، وكذلك انطلاقا من الدور الموكول للمجموعة الموضوعاتية المكلفة بالتحضير للجلسة السنوية الخاصة بمناقشة السياسات العمومية وتقييمها حول موضوع: “التعليم والتكوين ورهانات الإصلاح”، والمتمثل في الاضطلاع بكافة الأعمال التحضيرية، والسعي إلى المساهمة في تنمية الوعي الجماعي بأهمية التقييم من أجل الرفع من نجاعة أداء الفعل العمومي، وخلق نقاش مجتمعي حول اختيارات السياسات العمومية.
وتتوخى هذه الندوة أيضا إشراك مختلف الفاعلين المؤسساتيين والأكاديميين والخبراء وفعاليات المجتمع المدني ذات الصلة بالموضوع، تجسيدا لمقاربة الانفتاح التي اختار مجلس المستشارين نهجها إيمانا منه بفعالية المقاربة التشاركية في تقديم الإجابات الضرورية لمختلف الانتظارات والإشكالات القائمة.