الحسن أحنصال يكتب: الجماهير المكافحة هي صانعة الاستقلال
الكاتب: الحسن أحنصال
كالعادة ستغلق الادارات العمومية والشبه عمومية لمناسبة يوم 18 نونبر، وسيستفيد مستخدمو القطاع من عطلة لذات المناسبة الا وهي عيد الاستقلال. وفي واقع الكلام عن الاستقلال في المغرب ذو شجون, فلو راجعنا الأحداث لوجدنا الشعب المغربي قدم تضحيات جسام للتحرر والاستقلال. بل يمكن الاقرار أن الاحتلال بشقيه الفرنسي والاسباني جوبه بمقاومة شعبية شرسة فور دخوله أرض المغرب رغم التفاوت في العدة والعتاد بين الجانبين.
واذ يكفي التذكير ان بسط السيطرة على كافة تراب المغرب استغرق الى حدود 1934، تخللتها معارك شرسة وفترات مد وجزر : فمن معارك الشاوية التي استنفرت لها كل قبائل المنطقة بل شاركت فيها قبائل الأطلس المتوسط بقيادة موح اسعيد واسو وسيدي احساين الحنصالي، الى ملحمة انوال بالريف التي كبدت الاسبان اكبر خسارة في تاريخهم الحديث بقيادة أسد الريف بن عبد الكريم الخطابي.
واذا كان من الصعب بل المستحيل استحضار كل المعارك التي شهدتها ربوع المغرب فاننا نرى لزاما على الأقل التذكير بأهم الأحداث التي عايشها مقاومو الأطلس المتوسط في بني ملال وأزيلال كالمقاوم الكبير أولعيد أوحساين وسط قبائل أيت بلال، ثم سيدي مح الحنصالي و معه قبائل ايت امحمد والذي تمكن من كسر سطوة القائد الكلاوي، بل تمكن جنود القائد سيدي مح من اغتيال أحد أبناء المدني الكلاوي ما ترك غصة لدى هذا الأخير سرعان ما عجلت بوفاته .
وبدورها قبائل أيت سخمان تصدت للاحتلال الفرنسي فكانت معارك طاحنة ب “سكات” لم يحسمها الاستعمار الا بالطيران الحربي و تجنيد مزيد من المرتزقة المغاربة والأجانب، و اعتقد ان هذه المعركة الهامة جرت سنة 1930.
واذا كان معظم قادة المقاومة في ذلك الابان يضطرون أمام تفاوت القوى بين الجانبين للاستسلام في نهاية المطاف بل منهم من تحول لقائد تحت راية فرنسا يغزو القبائل “المتمردة” فان المقاوم الكبير سيدي احساين الحنصالي (المعروف لدى المؤرخين باسم سيدي الحسين اوتمكة) سليل زاوية أسكار بتاكلفت وفى بالعهد الذي قطعه على نفسه بالجهاد حتى الشهادة.
وهذا ما جرى تماما, اذ يسجل التاريخ أن هذا الرجل لم يسبق له أن رد على خطابات المستعمرين و رسائلهم المليئة بالوعود و الاغراءات بل كان يعمد فورا لاحراقها دون اطلاع اقرب المقربين اليه على فحواها, وكان دائم الترداد حسبما نقل لنا معاصروه (اذا اتى المحتل جوا فسنجابهه ارضا واذا اتانا زحفا فسيكون احساين تحت الأرض).
ومن ميزات هذا المكافح بذله جهودا لتوحيد القبائل ليس فقط ضمن النطاق الذي ينتمي اليه (ايت سخمان-ايت عطا-ايت مصاد-ايت بوزيد-ايت حديدو-ايت مرغاد…) بل تجاوز ذلك الى ربط التنسيق مع مقاومة الريف بقيادة بن عبد الكريم الخطابي الذي راسله مرارا، كما حاول التنسيق مع بلقاسم النكادي بتافيلالت. عدى عن زعماء قبائل سهل تادلة وبني ملال (احمد ولد عيشة وبوزكري بن الشرقي مثلا).
وفي هذا الاطار عمل على احتضان الأسر القادمة من السهول فرارا من الاحتلال وسطوته ,ولازال العديد من تلك الأسر تعيش ببلدات الأطلس واصولها معروفة. وضمن من آواهم المجاهد سيدي احساين نذكر الفدائي بوزكري بن خلوق القادم من بني ملال والذي استشهد ودفن بزاوية أسكار (نذكر ان هناك شارعا ببني ملال يحمل اسم الشهيد بوزكري بن خلوق)، وبوزكري بن باداز.
كما كان له دور هام في عقد الصلح بين شتى القبائل لتوحيد جهودها في التصدي للغزو الاستعماري الى حدود الجنوب الشرقي. ونختم بما ترويه العديد من المصادر من معارف الفقيد عن تعرضه للتسمم بمنطقة الريش الشيء الذي عجل بوفاته قبل أن يتمكن الاحتلال من دخول بلدته تاكلفت.
واذا كانت آخر معركة يخوضها فدائيو المنطقة هي معركة تازيزاوت فان آخر منطقة تستسلم هي تلك الواقعة بين أنركي وتافزا التابعة لتيلوكيت سنة 1934، وذلك بعد تطويقها من كافة الجوانب وفرض حصار خانق عليها لعدة أشهر و انقطاع التواصل مع العالم الخارجي. وهذا في حد ذاته صمود أسطوري يسجل لساكنة المنطقة. ومن مكر الصدف أن من اجتاح المنطقة هي قوات مرتزقة يقودها أحد أبناء المقاوم موح اوحمو الزياني!
لم تكد فرنسا تبسط سيطرتها على قرى الأطلس سنة 1934 وتنزع منهم أسلحتهم الخفيفة حتى برزت مقاومة جديدة في أقل من عقدين من الزمن فكانت ملحمة سطرها الشهيد سيدي حماد احنصال (احمد الحنصالي) الذي كان أول من دشن الكفاح المسلح بعد استتباب “التهدئة” كما اطلق عليها الاستعمار الفرنسي.
ولقد شكل هذا المقاوم البطل اسطورة اذ تمكن من بث الرعب في صفوف المستوطنين وقوى الاحتلال وعملائهم من المغاربة اذ يكفي أن نذكر ان الحكام الفرنسيين اضطروا للتقليل من تنقلاتهم، بل منهم من كان يعمد للتخفي في لباس المغاربة من سلهام وجلباب وعمامة, وسيتعرض الشهيد الكبير ورفيقه اوسميحة للاعدام بعد ان غدرت به احدى العائلات وسلمته للمستعمر …
وأكيد أن جذوة المقاومة والفداء لم تنطفىء يوما بل عاشت مراحل تأرجحت بين السرية والعلنية لتتوج بهجوم مفاومي المنطقة بعد انتظامهم في خلايا جيش تحرير الأطلس المتوسط منتصف الخمسينات على مراكز كل من تاكلفت وأنركي و تيلوكيت وزاوية احنصال وايت عتاب وايت امحمد للحصول على السلاح وقد برز آنذاك رعيل جديد من القادة الميدانيين نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر :
امحمد نايت امريم بأزيلال والعثماني اعزيزي بواويزغت وموح اعلي نايت بامو بوحسيس بتيلوكيت وسيدي موح اولحسن احنصال بتاكلفت وحدو اوزوهر بانركي وحدو اومحا اوداد بزاوية احنصال واشباح موح اوزايد باربعاء اقبلي وموح بنجغا بفم العنصر وغيرهم رحم الله الجميع وذلك بالتنسيق مع قادة جيش التحرير سيما المرحوم عمر السالمي المسفيوي والفقيه البصري محمد وكلاهما من أبناء الاطلس.
وان ما حز في نفوس مقاومي الاأطلس كباقي جماهير المغرب ان الاستقلال لم يات كما كان مرجوا وذلك بسبب استمرار هيمنة عملاء الاستعمار وخدامه على المناصب والامتيازات ومناصب الادارة وغيرها، وهو ما تردد آنذاك بالعبارة الشهيرة (تغيرت يد المنجل دون أن يتغير المنجل) لا بل سيعيش البلد هجمة من عملاء فرنسا لتصفية المقاومين والزج بهم في المعتقلات والسجون السرية والعلنية فكان لزاما على هؤلاء الرد وهو ما يحتاج لمقالات جديدة.