تطوير الحوار الديني عامل حاسم لتحقيق التعايش والتسامح والاعتراف بالآخر -التفاصيل-
أكد المشاركون في يوم دراسي، ينظم اليوم الأربعاء بالرباط، أن تطوير الحوار الديني وتجديده عامل أساسي وحاسم لتحقيق التعايشوالتسامح والاعتراف بالآخر.
وشد د هؤلاء المشاركين، في الجلسة الأولى لهذا اللقاء الدراسي الذي يبحث موضوع “تطوير الخطاب بين الديانات وتجديده لتعارف أمتنوالوعي بالاختلاف عن الآخر والاتحاد حول كلمة (نحن جميعا) باعتبارها رسالة موجهة للإنسانية جمعاء“، على أن تجديد آليات الحوار بين معتنقي الأديان يمكن أن يحقق التعايش المنشود الذي يقوم على نبذ العنف والتطرف والكراهية والاعتراف بالآخر واحترام خصوصياته الدينية والثقافية.
وأبرزوا أن الإنسانية جمعاء في حاجة ماسة إلى التخلص من النزوع نحو الصراعات والنزاعات، وذلك عبر توفير الوسائل الكفيلة بجعل الحوار منطلقا لبناء مشترك إنساني يقوم على القيم الإنسانية الداعية إلى الحرية والعدل والمساواة والكرامة الإنسانية، بعيدا عن كل أسبابالإقصاء والظلم والاستبداد والتمييز.
وسجلوا خلال هذه الجلسة، التي ناقشت موضوع “معرفة أنفسنا والاعتراف بأنفسنا كأخوة“، أن العالم المعاصر يشهد طفرة تكنولوجيةهائلة تتمثل في اتساع دائرة التواصل الاجتماعي وهو ما أسهم في إذكاء حس التبادل الثقافي والفكري، معبرين عن أسفهم كون هذاالتطور اللافت لم يؤد بالضرورة إلى تطوير الحوار بين معتنقي الديانات وتعزيز التقارب بينهم.
وفي هذا الصدد، أكد أستاذ تاريخ الفكر الفلسفي عبده الفيلالي الأنصاري، أن الحوار بين الأديان يواجه تحديات جمة جديدة جعلتمعتنقي الديانات يدافعون عن أنفسهم باستمرار وبشتى الطرق المتاحة، معتبرا أن التكنولوجيا تشكل إحدى أبرز هذه التحديات، خصوصاأنها اليوم جعلت المناظرات والسجالات بين مكونات هذه الديانات تأخذ مآلات مؤسفة، وهو ما ساهم في بروز أفراد ينصبون أنفسهم قضاةباسم الأديان، ويطلقون الأحكام بشكل فظ.
وأضاف في مداخلة بالمناسبة، أن رفع هذه التحديات رهين بتمثل المسؤولية وتحملها في سبيل إذكاء التعايش والتسامح من قبيل تبديدالمفاهيم، والصور النمطية التي يغذيها وازع الحقد والكراهية وتوضيح مضامين النصوص الدينية، من أجل المساهمة في نشر الوعيالمجتمعي وتكريس وازع قبول الآخر.
من جانبه، أكد رئيس المعهد البابوي للدراسات العربية والإسلامية، الأب دييفو ساريو كوكاريلا أن التعايش بين الأديان يواجه في الوقتالراهن تحديات عدة، تتعلق بتنامي ظواهر العنف والتطرف وتغذية ثقافة الكراهية، مشيرا إلى أن الحوار بين المسلمين والمسيحيين، على سبيل المثال يتعين أن يعتمد، بالأساس، على كل ما هو مشترك بين الجانبين، لأنه السبيل الأمثل لقبول الاختلاف واحترام الآخر.
وفي هذا السياق، شد د الأب ساريو كوكاريل، في مداخلة مماثلة، على ضرورة تنمية روح الصداقة والثقة المتبادلة بين الأديان قبل بحثومناقشة الخلافات التي تطرأ من حين لآخر، وذلك لإرساء مبادئ التلاقي والتواصل الفعال التي تسهم في إذكاء التعايش السلمي والوديبين معتنقي الديانتين.
وأردف قائلا “يمكن للمسيحيين والمسلمين التحدث بصراحة عن خلافاتهم دون تعريض صداقتهم للخطر، لأن المسؤولية الملقاة على عاتقهمتبقى أخلاقية وفكرية بالأساس من أجل نبذ ومحاربة الصور النمطية التي تغذي خطابات العداء والكراهية، وإرساء خطابات نوعية فيالمقابل تقبل الاختلاف وتحترم وتعترف بالآخر“.
أما الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، أحمد عبادي، فأكد أن الحوار بين الأديان إذا اقتصر على مبادلة شعارات التسامح والعيش المشترك، لن يبلغ إلى مداه، لذلك ينبغي الارتقاء إلى أفق جديد يتمثل في أفق الافتقار المتبادل والاحتياج المتبادل لتحقيق أجندات السلامالتي تحتاج إليها البشرية الممتدة.
وأشار إلى أن الاستثمار المستمر يتعين أن يكون في الانسان، لأن الانسان هو الذي يمارس هذا الحوار، و“إذا لم تكن عنده الأساسيات،وإذا لم يتملك الآليات الضرورية من المعارف والقدرات والتصورات والتمثلات التي تمكنه من إجراء هذا الحوار البناء، فالنتيجة تكون عكسية“.
وخلص عبادي إلى أن التداول والتعاطي بخصوص الحوار، “إذا كان الغرض منه فقط هو أن تستمر الحياة على ما هي عليه وأن يكون هناكتوقير متبادل على نهج “أتركني أتركك” فالقصد هو أن يكون عندنا أفق جديد مفاده أننا لا نريد أن نحافظ على هذا الموجود، بل نريد أننرسم منشودا مشتركا نتعاون جميعا لبلوغه ولاسيما في ظل التحديات الحارقة الكبرى: التحدي البيئي، وتحدي الذكاء الاصطناعي، وتحديالخوف، وتحدي الاحترام“.
يشار إلى أن هذا اليوم الدراسي الذي تنظمه أكاديمية المملكة، بالتعاون مع دائرة الحوار بين الأديان بالفاتيكان والرابطة المحمدية للعلماء،يأتي تنزيلا للتوجيهات الملكية السامية الحاثة على نشر ثقافة التعايش والسلام وتعزيز جسور الحوار بين الحضارات والثقافات والديانات،وترسيخ قيم احترام الآخر المختلف عقديا ولغويا وفكريا لنبذ آفات التطرف والعنف.
ويتضمن برنامج هذا اللقاء، على الخصوص، تنظيم جلستين، الأولى حول موضوع “معرفة أنفسنا والاعتراف بأنفسنا كأخوة: هبة الالتقاء وتحدي الاختلافات“، والثانية حول “الخطاب بين الديانات: الطبيعة، الغاية والتجديد“.