في ذكرى رحيله .. من هو المناضل محمد بوكرين الملقب بمعتقل الملوك الثلاثة ؟
ع. ياسيد
رأى محمد بوگرين النور بقرية تاگزيرت بالأطلس المتوسط إقليم بني ملال في 4 نونبر سنة 1935 ، في حقبة مظلمة بدخان مدافع الاستعمار الفرنسي، التي كانت آلته الحربية تبطش بالمغاربة وتدك البوادي والمدن.
عاش بوگرين طفولته الأولى بدوار تيحونة نايت ويدير بتيزي نيسلي قبل أن يلتحق بمدرسة موحى وسعيد بالقصيبة ثم إلى ثانوية طارق بن زياد بأزرو.
فصل من الثانوية وتوقف مساره الدراسي بسبب نشاطه السياسي والنضالي ضد الاستعمار الفرنسي، ليلتحق بداية الخمسينيات بحزب الاستقلال وانخرط في خلايا المقاومة المسلحة ضمن المنظمة السرية ، وكان من بين المكلفين لوجيستيكيا بإمداد جيش التحرير بالأسلحة والمؤونة بعد تأسيسه سنة 1955.
بعد الاستقلال استفحل الصراع السياسي داخل أروقة حزب الاستقلال وبلغت الانقسامات أشدها ، فتم تأسيس حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وانخرط بوگرين فيه بسبب راديكالياته وتوجهه الثوري.
شعر القصر آنذاك بالقلق وبدأ الحسن الثاني تنسيق مع حزب الاستقلال لضرب الاتحاد ، فكانت جريدة الأيام الموالية لحزب الاستقلال التي تولى التسولي تحريرها كلما نشرت إسم مناضل اتحادي يتم اعتقاله واستنطاقه.
وتم تحرير لائحة أولية مكونة من 400 شخص لاعتقالهم ، وهذا ما أدى إلى ثورة مارس 1960 في جميع أنحاء المغرب ، ولكن الخذلان والخيانة جعلها تقتصر على بني ملال بزعامة القائد البشير بن التهامي الحمر ، وفي مراكش بزعامة البشير لمطاعي.
17 مارس 1960 حين كان رفاق بوكرين يستعدون لتفجير العمل الثوري تم اغتيال عميد الشرطة أقبلي ، واتهم بوگرين بالضلوع في الاغتيال، بينما في الحقيقية أسندت إليه مهمة التوجه نحو مركز أغبالة نايت سخمان للإستيلاء على مستودع أسلحة كما فعل رفاقه في تاگلفت وأنرگي وتيلوگيت وزاوية أحنصال ، ولكن اعتقاله حال دون توجهه نحو أغبالة ، ودامت المواجهة حوالي شهرين بين رفاق بوگرين والجيش بقيادة الكولونيل شنا صهر الجنرال أفقير.
بعد ست سنوات قضاها بوگرين في السجن تنقل فيها بين سجن بني ملال وأغبيلة بالدار البيضاء ولعلو بالرباط والسجن المركزي بالقنيطرة ، تمت تبرئته سنة 1966.
سنة 1973 اندلعت ثورة مسلحة بمولاي بوعزة وأملاگو وإميلشيل وخنيفرة وتم اعتقال بوگرين و34 من رفاقه بتهمة تقديم مأوى للمتمردين والتنسيق والقيادة وتقديم خرائط عسكرية وتسهيل التواصل بينهم ، وتم تعذيبهم في ضيعة مازيلا على بعد كيلومترين من قصبة تادلة من طرف الجيش والدرك ، قبل أن يتم نقلهم نحو سجن (الكوربيس ) بالدار البيضاء .
وحول أسباب فشل ثورة بوگرين ورفاقه أجملها العقل المدبر في: بعد الجبهات بعضها عن البعض ، الرفاق لم يكتشفو المكان وتضاريسه ، تجاوز بعض القيادات المحلية قياداتها الوطنية المدربة ، مثال موحى والحاج أمحزون الذي هاجم مركز مولاي بوعزة للسلاح.
سنة 1978 وبعد سنتين من خروجه من السجن انتخب بوگرين عضوا في اللجنة الإدارية لحزب الإتحاد الاشتراكي ، وأسس الكونفدرالية الديمقراطية للشغل ، كما ساهم في تأسيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان سنة 1979.
سنة1981 اعتقل بوگرين بسبب دخوله مقر حزب الاتحاد الاشتراكي بالفقيه بن صالح الذي شمعته الدولة بأمر قضائي بسبب نسيان القائمين على المقر تعليق صورة الملك بداخله في عيد العرش وحكم عليه سنة سجنا .
سنة 1983 اعتقل بوگرين وبن جلون فيما كان يعتبره بوگرين “حادثة تصفية الخط التصحيحي في الحزب” متهما بالهجوم على أملاك الغير في إشارة إلى دخوله مقر الاتحاد وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات ، ويعلق ابن تاگزيرت على هذه الحادثة بالقول :”كنا في نفس الحزب وأرسل المخزن 34 منا إلى قبة البرلمان ممثلين لحزب الاتحاد و34 آخرين إلى السجن” .
بعد تجربة 1983 انشق بوكرين ورفاقه وأسسوا حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي الذي قاطع الإنتخابات سنوات قبل أن يقدم على المشاركة سنة 2007 .
في 6 يونيو 2007 وبعد مشاركته في وقفة احتجاجية دعما للمعطلين ببني ملال اعتقل بوگرين عن عمر ناهز 71 سنة بتهمة المس بالمقدسات ، وحكم ابتدائيا بسنة سجنا ثم تضاعف الحكم في الإستناف إلى ثلاث سنوات ، قبل أن يغادر السجن سنة 2008 بعفو ملكي بسبب تدهور حالته الصحية ، وكان ممن رفض تعويضات الإنصاف والمصالحة لجبر الضرر عن سنوات الجمر والرصاص.
ومما قال حول عدم رغبته في استئناف الحكم سنة 2007 : “الأمر ليس قانونيا، حتى نناقش هل هناك جريمة تستحق العقاب أم لا .. المسألة سياسية بامتياز “.
مسار حياة محمد بوگرين عينة لما عاشه جيل بأكمله، لما عاشه وطن بأكمله، نفس السوداوية القاتمة لوطن عاش بوگرين نصفه زمن الاستعمار ونصفه زمن الاستقلال.
بوگرين من بين الذين قالوا: “نحن هنا سندفع الثمن بالجسد والذاكرة ، في وقت اختارت كثير من الأسماء توديع الوطن ومراقبة الوضع من المنفى ..”
في ذكرى رحيل بوكرين التي تصادف 5 أبريل من كل سنة نستعيد تجربة معتقل الملوك الثلاثة، تجربة تنبعث منها رائحة الأقبية النتنة والزنازن الباردة وأصفاد على أيادي مهمشين رفعوا أصواتهم أمام من لم يؤمن إلا بلغة الدماء.