مجلس المستشارين … ندوة تقارب مفهوم “تقييم السياسات العمومية” كمدخل لتجويد الأداء الحكومي
سلطت ندوة، نظمها مجلس المستشارين، اليوم الاثنين، الضوء على دلالات وأبعاد مفهوم تقييم السياسات العمومية، باعتباره أحد اختصاصات المؤسسة التشريعية، وذلك بهدف تطوير الأداء العمومي وتحسين نجاعته، انسجاما مع مبادئ الحكامة الجيدة.
وتأتي هذه الندوة التي ناقشت موضوع “التقييم البرلماني للسياسات العمومية: المرجعيات ومداخل التجويد”، انطلاقا من الدور الموكول لمجموعة العمل الموضوعاتية بمجلس المستشارين، المكلفة بالتحضير للجلسة السنوية الخاصة بمناقشة السياسات العمومية وتقييمها حول موضوع: “التعليم والتكوين ورهانات الإصلاح”.
وتروم مجموعة العمل الموضوعاتية، من خلال هذه الندوة، المساهمة في تنمية الوعي الجماعي بأهمية وظيفة التقييم وتأثيرها على فعالية أداء الفعل العمومي، وبالتالي خلق نقاش مجتمعي حول اختيارات السياسات العمومية، لتجاوز محدودية وعدم كفاية المجهودات المبذولة في هذا الإطار، مقارنة بالزمن التشريعي.
وفي كلمة له بالمناسبة، أكد الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان، الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، أن موضوع تقييم السياسات العمومية شك ل أحد الأولويات الوطنية التي نادى صاحب الجلالة الملك محمد السادس بضرورة الرقي بها وجعلها ممارسة مؤسساتية تقع في صلب البناء الديمقراطي الوطني، مشيرا إلى دعوة جلالة الملك في الخطاب السامي بمناسبة عيد العرش لسنة 2009 إلى ضرورة الأخذ بالتقييم المستمر للسياسات العمومية.
وأوضح بايتاس أن هذا التوجيه الملكي جاء في إطار التفاعل مع التحولات الدولية والانفتاح الإيجابي على العولمة، ومراعاة نوعية المشاريع واستمراريتها والتقائيتها حين إعدادها، مؤكدا على أن التقييم من أنجح السبل الكفيلة لضمان التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهو” ليس مجرد عمل تقني لتقديم خبرة بل هو نسق بطابع سياسي خالص”.
ولفت إلى أن المغرب الذي جعل من الخيار الديمقراطي أحد ثوابته الدستورية، راكم تجربة مهمة في مجال تقييم السياسات العمومية، مبرزا أن مفهوم التقييم ظهر ضمن المتن القانوني منذ إحداث المجلس الأعلى للحسابات سنة 1979، كما تم الارتقاء به إلى مستوى المقتضى الدستوري سنة 1996، فيما ارتبط على المستوى الحكومي بالإعلان عن تأسيس المركز الوطني لتقييم البرامج سنة 1995، لي شرف على قيادة التقييمات بين مختلف القطاعات الحكومية وتقييم المشاريع والبرامج والسياسات العامة.
واعتبر المسؤول الحكومي أن وثيقة “تقرير الخمسينية” تشكل رصدا لخمسين سنة من التنمية وآفاق 2025، والتي جاءت ثمرة انخراط المغرب سنة 2005 في تجربة جماعية هم ت تقييم خمسين سنة من التنمية، مضيفا أنها “إحدى النماذج الرائدة في مجال تقييم السياسات العمومية والاخيتارات الاستراتييجة للدولة وهي بذلك ت مث ل وثيقة مرجعية للباحثين والدارسين وصناع القرار”.
من جانبه، قال الخليفة الأول لرئيس مجلس المستشارين،فؤاد القادري، إن مقاربة مفهوم تقييم السياسات العمومية مسألة ضرورية لما يحظى به من اهتمام من لدن مختلف الفاعلين المؤسساتيين والمجتمعيين، ووجود حاجة ماسة إلى تعميق النقاش حول مختلف جوانبه وأبعاده، ومحاولة تقديم قراءة مشتركة لبعض المفاهيم الدستورية والقانونية المرتبطة به، انطلاقا من قناعة راسخة تعتبر النقاش العمومي الهادف السبيل الأمثل للتغلب على كافة الإشكالات المرتبطة بالتدبير العمومي.
وأبرز القادري أن مدخل الولوج إلى حقل السياسات العمومية باعتباره موضوعا للتقييم البرلماني، يطرح إشكاليات تعدد وتنوع التعاريف المقدمة له كمفهوم، معتبرا أن كل مؤسسة تقوم بتعريفه انطلاقا من فهمها الخاص له، مما يزيد من تعقيد عملية تحديده بدقة، وإعطائه بعدا عمليا وإجرائيا واضحا، الأمر الذي يؤدي إلى صعوبة حصره، عند مباشرة عمليات التقييم، فضلا عن الاختلاف في مقاربته من تجربة دولية إلى أخرى.
وأشار المسشتار البرلماني إلى أن التجربة المغربية ت صن ف ضمن التجارب التي قامت بدسترة السياسات العمومية، وجعلها فعلا حكوميا، وذلك بناء على مقتضيات الفصل 92 من الدستور، موضحا أن الحكومة تقوم من خلالها إما بتنزيل برنامجها الحكومي، أو تقديم حلول للمشاكل العمومية، أو إيجاد السبل لتحقيق التوازن بين مختلف التدخلات القطاعية، عن طريق ممارسة التحكيم بين الاختيارات العمومية، من أجل تحديد أولويات العمل الحكومي لفترة زمنية مستقبلية، وفق رؤية سياسية واضحة.
لكن على مستوى الممارسة العملية، يشدد القادري على أن هذه المفاهيم لا زالت تحتاج إلى تمييز بعضها عن بعض، وخصوصا تمييز مواضيع السياسات العمومية عن مواضيع السياسة العامة والسياسات القطاعية والبرامج والمشاريع العمومية، مشيرا إلى أنه في غالب الأحيان، ترجع صعوبة التمييز بينها إلى تداخل مستويات الفعل العمومي،وعدم القدرة على الفصل بين مجالاته، لتحديد بدقة نقطة بداية ونهاية السياسات العمومية.
يشار إلى أن هذه الندوة التي يشارك فيها أكاديميون وخبراء وممثلو مؤسسات عمومية وفعاليات المجتمع المدني، ستبحث في جلسة موضوعاتية “دلالات وأبعاد مفهوم السياسات العمومية”، و”مقاربات ومنهجيات فعل التقييم”، بالإضافة إلى مقاربة “تقييم سياسات التعليم والتكوين”.