مذكرات المناضلة ثرية التناني : الليلة الاولى بالسجن المدني بني ملال “الحلقة 2” – يتبع
كل ما حولي مؤلم و مفترس، عالم شديد القتامة والقسوة، و كأنه رمس للإنسانية المسحوقة،فالحزن شديد يوغل في سواد العتمة، و العنبر يتضوع بأنفاسنا و الروائح الكريهة التي تخرج من بعض البطون المريضة. و هذه الوجوه بنظراتها الغامضة و عذابها المكتوم تحكي أن صاحباتها يحيين فقط سعيا وراء لقمة الكفاف، و النظام العام زج بهن في هذا العنبر كما يضع الإقطاعي بهائمه في الزريبة.
تراءت لي المسافات البعيدة الفاصلة بيني و بين آسرتي، و رفاقي و زوجي القابع هناك في سجن الرجال. احتلت صورة أختي الصغيرتين سميرة و سهام و صورة عصام أخي الأصغر مساحة من الذهن، تملكتني الرغبة في البكاء، لكني تذكرت أني سجينة سياسية، و المفروض أن اتماسك حتى لا يقول الرفاق إن النساء ضعيفات.
على ضوء باهت لشمعة كانت أخفتها البجعدية جارتي في الزنزانة كان طعام العشاء، وهو عبارة عن قطعة خبز و قليل من الحليب تقاسمته معي، وتبعا لتقليد فرض على السجينات بدأت تحدثني بصوت خافت :هدئي من روعك، سيكون كل شيء على ما يرام. هتفت بهذه الكلمات و ربما غيرها و أنا واجمة.
قلت في نفسي :في هذه الدنيا يلتقي الشبيه بالشبيه و هذه المرأة تشبهني. استفقت على صوت سجينتين يتشاجران. تمتمت السجينة التي أمامي في أذن صاحبتها التي كانت منهمكة في حك فروةرأسها :يقولون ” راهامعلمة مشدودة على الإضراب، ياكما ضربت شي دري ضربة خطيرة.” حدجتها البجعدية بنظرة صارمة و أمرتها بالسكوت.
كانت هذه السجينة امرأة جميلة في حوالي الخمسين من العمر بشوشة وقفت أشعلت لفافة و بدأت تداعبها بشفتيها و بين الحين تعب منها نفسا عميقا، وفجأة أطلقت عقيرتها بالغناء :يا ناسيني وانت على بالي….. و هنا أرادت صاحبتها أن تمازحها فحاولت أن تجردها من سروالها، فانفجرت السجينات ضحكا.
و كما يحدث في الكوابيس أطلت السجانة غاضبة فأطلقت سيلا من اللعنات والشتائم يا جحشات يا بغلات اعلاه انتوما مولفات بالكبيرة، ياك ايلا ما شخشخوكم السكايرية ما تنعسو اتفو اللقوة…
يتبع