إلياس مالح يكتب: وجهة نظر المغرب إلى أين!؟

تمر المملكة المغربية في هذه الأيام الفاصلة بلحظة من تلك اللحظات التي تتطلب وقفة صادقة مع الذات فالأمر لم يعد يقتصر على هموم الحياة اليومية وتراكم الأسئلة العادية بل تجاوزها إلى خروج صوت الشارع في أكثر من مدينة مغربية حاملا بين طياته ذلك السؤال المكبوت منذ سنوات إلى أين تسير بنا الأمور لقد شهدت الأمس في الدار البيضاء والرباط وغيرهما من المدن مشاهد احتجاجية قد تكون محدودة في حجمها لكنها كبيرة في دلالتها تعبر عن شرخ حقيقي في نموذجنا التنموي وتفاقم شعور عام بعدم الرضا بل ربما اليأس من تحقق تلك الوعود التي طالما روّجت لها الأجهزة الرسمية.
إن المتأمل في شعارات المحتجين يجدها بسيطة وعادلة ومشروعة إلى أبعد حد إنهم يطالبون بتعليم جيد لأبنائهم يضمن لهم مستقبلا كريما بدل أن يكون بابا موصدا في وجوههم ويطالبون برعاية صحية لائقة تحفظ لهم كرامتهم الإنسانية وتحميهم من عسف المرض والحاجة وهي مطالب بديهية في أي مجتمع يريد لنفسه أن يكون في مصاف الدول التي تحترم مواطنيها لكن يبدو أن هذه المطالب الأساسية تذهب أدراج الريح حينما يتم الحديث عن مشاريع كبرى يقدم عليها البلد تحت مسميات وطنية كبرى.
ها هو المغرب يستعد لاستضافة بطولتين قاريتين وعالميتين كأس إفريقيا وكأس العالم وهو حدث لا شك أنه يشكل فرصة للتعريف بتاريخ المغرب وحضارته ويساهم في تحريك عجلة الاقتصاد لكن السؤال المُلِح الذي يفرض نفسه بأكثر من قوة هل من المنطقي والعادل أن نستثمر المليارات في الملاعب والبنيات التحتية الرياضية بينما تتردى أحوال المستشفيات وتتهاوى جودة التعليم في مدارسنا وجامعاتنا إنه سؤال وجيه يطرحه كل مواطن غيور يشاهد أموال البلاد تنفق في اتجاه واحد بينما تعاني القطاعات الحيوية من الإهمال والتهميش.
والتجارب الدولية خير شاهد على ذلك فما حدث في اليونان مع دورة الألعاب الأولمبية وما شهدته البرازيل مع كأس العالم دروس وعبر لم نستوعبها بعد لقد دفعت تلك الدول ثمنا باهظا حيث أدى الإسراف في الإنفاق على المنشآت الرياضية على حساب الخدمات الاجتماعية إلى تفجير أزمات داخلية وموجات احتجاجية عارمة لم تهدأ إلا بعد أن استنفدت دولها مواردها وأصابها الإرهاق واليوم نحن نسير على نفس الدرب بكل ما يحمله من مخاطر.
إن ما يزيد الطين بلة في حالتنا المغربية هو التعاطي الأمني المتشدد مع هذه الاحتجاجات السلمية فبدل أن تكون هناك آذان صاغية وقلوب مفتوحة لاستيعاب هذا الغضب المشروع نجد التعامل مع المحتجين بقبضة حديدية وقمع مفرط للحركات الاحتجاجية وهذا في تقديري ليس حلا بل هو إضافة الزيت على النار فالقمع لا يولد إلا مزيدا من الإصرار والتحدي ولا يحل الأزمات بل يدفنها إلى حين لتنفجر في وقت لاحق بشكل قد لا تحمد عقباه.
إنني أرى والكلام لا يزال شخصيا أن نسق هذه الاحتجاجات سيتصاعد مع اقتراب موعد البطولتين الرياضيتين فهذه هي السنّة الاجتماعية التي عرفتها المجتمعات الإنسانية كلما اقترب موعد حدث كبير تزداد حدة المطالبات بحقوق مغيبة وتتصاعد وتيرة الضغط من أجل تحقيق مطالب أساسية وهو أمر طبيعي لا يستغرب.
فإلى أين يسير المغرب هل نستمر في تجاهل مطالب الشعب الأساسية وإخفائها تحت بريق المشاريع الكبرى والأحلام الوهمية أم أن هناك فرصة لمراجعة حقيقية تقوم على إعادة ترتيب الأولويات وتقديم الإنسان المغربي على أي مشروع آخر لأن الاستثمار الحقيقي هو في الإنسان نفسه في تعليمه وفي صحته وفي كرامته فبدون ذلك لن تكون الملاعب سوى قصور من رمال تتهاوى تحت وطأة غضب شعبي عارم لن تخمد ناره إلا بتحقيق الكرامة والعدالة الاجتماعية التي ينشدها كل مغربي.