الحسن احنصال يكتب : جدل المدونة الجديدة إلى أين ؟ .. معركة الهوية بين الخصوصية الثقافية والعولمة الزاحفة


يختلف النقاش الدائر حاليا عن المدونة الجديدة للأسرة عن نظيره الذي اندلع إبان حكومة المرحوم عبد الرحمن اليوسفي، فغداة طرح الوزير السعدي لخطة إدماج المرأة في التنمية ، انقسم المجتمع بين تيارين،الأول حداثي تبنى الخطة بحذافيرها، و دافع عنها باستماتة،تشكلت قاعدة هذا التيار من الجمعيات النسائية و الحقوقية،و الأحزاب اليسارية. في حين تشكلت قاعدة التيار المقابل أو المحافظ من تيارات إسلامية و شخصيات نهلت من الفكر القومي و الوطني .

و على عكس النقاش الذي يجري اليوم في نطاق مؤسساتي و بشكل أكاديمي هادئ،فإن نقاش بداية الألفين عرف توترا كبيرا وصل حد حشد الأنصار في مسيرتين وطنيتين بكل من البيضاء و الرباط،مع ما رافق ذلك من حملات التهويل و تبادل الاتهامات.

تأتي فكرة تعديل المدونة في سياق دولي يتسم بسعي دول المركز لتعميم نموذجها حول الأسرة و دفع الدول التابعة لتبني تصورها حول حقوق المرأة و الطفل، و الضغط للتخلي عن خصوصياتها الثقافية و أنساقها القيمية تحت جناح و يافطة عولمة الفكر الليبرالي الامريكي و جعله السائد دوليا .

لقد استطاعت الدول الغربية مسلحة بقوتها الاقتصادية و هيمنتها السياسية من سحق أشكال التجمع البشرية التي تعتبرها بالية و تقليدية ،و من ضمنها القبيلة و العشيرة ،و في وضع انكمشت فيه العائلة و تراجع دورها ،بقيت الأسرة بنموذجها التقليدي المعروف تشكل واجهة للمقاومة القيمية و الثقافية، و نستحضر الدور الذي لعبته الأسر ذات الأصول المغربية و على رأسها الام في إقناع أبنائها المزادادين في أوربا و الخاضعين لتعليم أوربي صرف من تفضيل و اختيار اللعب لمنتخب الوطن الام على حساب منتخبات بلدان الإستقبال ،و هو عنوان بارز للتوتر القيمي بين الأسرة بشكلها التقليدي المعروف و المجتمعات الأوربية المنفتحة.

إن سؤال المدونة الخاصة بالآسرة يتجاوز نقاش أنصباء الورثة و التعصيب و مآل بيت الزوجية ،ليطال سؤال :أي طفل نريد ؟ فهل ستصمد مؤسسة الأسرة في نمطها التقليدي المعروف و الحامل لمجموعة من القيم المتوارثة لقرون و عبر أجيال أمام تيار العولمة الزاحف بقوة و المدعوم من مؤسسات اقتصادية و مالية دولية تهيمن على السوق و تتبنى فكر و منطق التجارة و الاسواق؟

نطرح هذا الموضوع و نحن ندرك ان ملف المدونة لازال طور النقاش و تحت طائلة الاخذ و الرد و مقارعة الأفكار من باب تضارب التصورات المنطلق من تضارب المرجعيات و اختلاف الاديولوجيات. فهل سبكسب المغرب هذه الجولة و يستطيع إنتاج مدونة توافقية تجد فيها كل الفئات ذاتها و تجترح الأجوبة العملية لأسئلة لا يمكن إنكار ان واقعنا المتحرك قد انتجها و ينتجها،أجوبة من البيئة المحلية بدل الأجوبة الجاهزة و المستوردة؟إنه تحد كبير ….

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button
error: المحتوى محمي !!
Close

تم الكشف عن مانع للإعلانات

يرجى إيقاف مانع الإعلانات للاستمرار في التصفح

نلاحظ أنك تستخدم مانعاً للإعلانات. يعتمد موقعنا على عائدات الإعلانات لتقديم محتوى مجاني عالي الجودة. نشكرك على إيقاف مانع الإعلانات وإعادة تحميل الصفحة للوصول إلى المحتوى.

نشكركم على دعمكم!