الحطاب يكتب : ما هي الأسباب الحقيقية التي دفعت عون سلطة ببني ملال، إلى ارتكاب جريمة الاتجار في المخدرات؟
بقلم : محمد الحطاب
عاد النقاش مرة أخرى لتسليط الضوء على “وظيفة” عون السلطة، أو ما يصلح عليه ب ” المقدم” ، ومسألة “التّأهيل الوظيفي لها” ، و التي لصقت بها الكثير من ” الممارسات الشاذّة”، التي علقت بالمقدمين، لكون هذا القطاع تأخرت الدولة كثيرا في تنظيمه، لأنه لحد الآن لا ينتمي إلى نظام الوظيفة العمومية، نظراً لـعدم توفر المقدمين على “رقم تأجير”، يضمن لهم كل الحقوق الواردة في نظام الوظيفة العمومية، ويذكرهم بالواجبات.
فإذا كان أعوان السلطة، يعدّون من بين أهم الركائز الدولة المغربية، داخل المشهد الإداري المغربي، على مستوى علاقتهم بالمواطنين والسلطات، فهم يعتبرون أيضا أهم حلقة وصل بين المواطنين وجميع القطاعات الحكومية، وفي مقدمتها “قطاع ا”لداخلية.
فالمقدمون يعدون مع الأسف موظفين عادين مع وقف التنفيذ، لعدة اعتبارات، أهمها أنهم لا يتمتعون بنفس الامتيازات، التي يستفيد منها جل موظفي الدولة، رغم الأعمال الشاقة المختلفة، التي يؤدونها في حياتهم اليومية، منها على سبيل المثال لا الحصر، التواصل اليومي مع المواطنين وتلبية مطالبهم وحاجياتهم، وتواجدهم في جل المحطات والأنشطة.
ف “تمقدميت” هي في الحقيقة وظيفة مهمة ومؤثرة داخل المجتمعات، لكن مصيرها يبقى مع الأسف مظلما، لكون الحكومات المغربية، ومن بينها حكومة أخنوش “الاجتماعية” … لم تكن لهن إرادة سياسية حقيقية وواضحة، لتأهيل وتنظيم وتطوير هذه الفئة من “خدام الوطن”. وتخلصيهم من الحالة المزرية المادية والمعنوية التي يعيشوها ” المقدمون”، وبالأخص وضعهم السّائد في المجتمع المدني، الذي ما زال ينظر إليهم بنظرة دونية ومزيد من الاحتقار .
فإذا كانت الدولة في حاجة ماسة إلى خدمات هؤلاء الأعوان، باعتبارهم أعين وآذان السلطات، وأنه لا بديل عنهم في الوقت الراهن، على اعتبار أن الجيل الجديد من المقدمين باتوا شبابا ذوي تكوينات وكفاءات مهنية محترمة، فأسلوب تعامل السلطات والمؤسسات العمومية والخاصة والمجتمع المدني معهم، يظهر مع الأسف تناقضاً واضحا في التعامل مع ملفهم المطلبي، وهو ما يجعلنا نسائل عن تموقع “المقدم” ضمن النسق العام للبلاد.
ونظرا لإشكالية هذه الوظيفة، التي مازالت تنتظر الاعتراف بمكانتها ودورها الهام داخل المشهد السياسي والمجتمعي، فإن تأهيل هذه الوظيفة ” القوية إداريا والضعيفة معنويا” سيحد بدون شك من الممارسات المعروفة في وسطها، إذ سيحدد مهامها واختصاصاتها وحدود عملها.
أكيد أن غالبية أعوان السلطة، يعرفون جيدا حقوقهم وواجباتهم، لكونهم يتمتعون بوعي قانوني متميز، إلا أن حاجتهم إلى “وظيفة أو شغل” يجعلهم خاضعين لسلطات، قد تصل في بعض الأحيان إلى استخدام أسلوب القمع والتهديد، لكون الحكومة، لا تريد إحداث نظام اساسي خاص بأعوان السلطة، وإدماجهم في نظام الوظيفة العمومية، يجعلهم في منأى عن كل التهديدات والتعسفات، التي يتعرضون لها، من طرف رؤسائهم المباشرين، الذين يجهلون أنه لا وجود في ملحقاتهم الإدارية بدون “فريق من لمقدمين”.
إن ما يعيشه “المقدمون” من مآسي وأشغال شاقة، في ظل وضعية مالية وإدارية مستفزة، مقارنة مع موظفي وشغيلة الدولة والجماعات الترابية، يجعل الإنسان يتساءل : من هو هذا المقدم أو عون السلطة، الذي لم تلتفت له الدولة، وتمتعه بحقوقه الكاملة، إسوة بزملائه في الوظيفة العمومية ..، مع الاعتراف له بما يقدمه من خدمات جليلة لوطنه وللمواطنين..؟
فالمقدم قبل كل شئء هو مواطن ، إضطرته ظروفه الاجتماعية، إلى قبول هذه الوظيفة، وهو يعلم أنها وظيفة صعبة جدا ومهينة لشرفه، خاصة من طرف رؤسائه، علما أنه يواجه السلطات الحكومية والمواطنين، خلال ممارسة عمله، بأجرة هزيلة، لا تقابل حجم المجهودات والخدمات اليومية، التي يقوم بها.
ففي غياب نظام أساسي أو قانون منظم لهذه الوظيفة ، يقوم المقدم بعمله 24 ساعة في اليوم، وطيلة الاسبوع، وأحيانا طول السنة دون أي اعتراض منه، في عز حر الصيف، وعز برودة الشتاء.
المقدم هو عامل، يشتغل في قطاع غير “مهيكل”، لأنه قانونا لا يعرف ما له وما عليه، ليس له حق التظاهر أو حق الإضراب، حضوره ضروري كل المناسبات والأنشطة، وأيضا في الكوارث الطبيعية والأزمات الصحية، مع رفع تقارير في الموضوع، وقضاء حاجيات المواطنين اليومية.
من بين مهام المقدم الخطيرة مواجهة تجار المخدرات، والممنوعات، ومحاربة اللصوصية، ومحاربة الباعة المتجولين، والبناء العشوائي، ألخ … دون أن توفر لهم الدولة أية حماية ضد الاعتداءات اللفظية والجسدية، وفي غياب الدعم اللوجيستي، من قبيل وسائل التنقل، إذ نجد الولاية والجهة توفران الدراجات الهوائية للتلاميذ، والدراجات النارية لعناصر الشرطة، أمام أعين المقدمين، الذين يتم حرمانهم من دراجات نارية وبنزين، لمساعدتهم على القيام بأعمالهم العديدة والمختلفة، في أحسن الظروف.
قضية اعتقال عون سلطة مؤخرا بمدينة بني ملال، أثار عدة تساؤلات داخل المجتمع الملالي، تنتظر تفسيرا لما حدث وكيف أقدم هذا “المقدم” على هذه التجارة الخكيرة، وهو يعلم جيدا خطورة الفعل.
السؤال المطروح هو لماذا قام هذا العون بمثل هذا الفعل، الذي يعاقب عليه القانون ؟ وما هي وضعيته الاجتماعية والمادية بالخصوص ؟ وهل حالته النفسية سليمة؟، وهل يعاني من أمراض مكلفة، تتطلب مصاريف كبيرة، لا تساعده أجرته على مواجهتها ؟، وهل رؤساءهم في الملحقات الادارية يستمعون لمشاكلهم ؟ وهل هناك محاولات لإيجاد حلول لها .. و .. و.؟ أسئلة كثيرة طرحها المجتمع، لكنه لن يجد لها أجوبة مقنعة، حول الأسباب التي دفعت بهذا المقدم إلى ارتكاب هذه الجريمة الخطيرة قانونا، التي ستقضي على مستقبله، و على نفسية أهله وذويه …!!
أعتقد أن الدولة اليوم مطالبة بمراجعة وضعية أعوان السلطة، وإعطائهم حقوقهم، التي يكفل لهم دستور 2011، خاصة أن الاعمال التي يقومون بها ، هي أصلا أعمال وطنية، تستحق من الدولة الاعتراف بها، وذلك من خلال تسوية وضعيتهم المادية والإدارية… إسوة بزملائهم في الوظيفة العمومية.
“إن الوضعية الإدارية لهؤلاء المقدمين والشيوخ وضعية نشاز ، لكونهم ساهموا بشكل كبير في عملية التسجيل في السجل الاجتماعي الموحد ، معتبراً أن “القضاء على النظرة السلبية اتجاه المهنة والممارسات غير الأخلاقية لكثير من الأعوان، يظل رهينا بمراجعة الدولة للوضعية الإدارية والمالية لأعوان السلطة، وتمكينهم من وضعية إدارية قارة ومشجعة، نظرا للعمل الجبار الذي يقومون به، بالإضافة إلى ضمان إعادة تكوينهم، لتحقيق ارتقائهم المهني، وضمان جودة الخدمات”.
وفي هذا الصدد وجهت تنسيقية أعوان السلطة “المقدمين والشيوخ والعريفات”، منذ أيام، “نداء استغاثة” إلى رئيس الحكومة أخنوش، يطالبون من خلالهتا إخراج قانون تنظيمي ، معتبرةً دو ظژظ “إقصاء من الفئات المستفيدة من إخراج قوانين أساسية تؤطر المهنة وتحدد المهام”، ومطالبة الحكومة بـ”أخذ المطلب بعين الاعتبار” ووقف التهميش “المتعمد من كل المبادرات الإصلاحية الاجتماعية والإدارية”
وهددت التنسيقية المذكورة، في بلاغ لها، بـ”عصيان صامت ضد تحكم أهواء رجال السلطة، والنظرة الدونية، التي تتعامل بها وزارة الداخلية مغهم، والتأخير في إخراج النظام الأساسي، والإدماج الفوري في سلك الوظيفة العمومية، والزيادة في الأجور الأساسية، بدل منح تعويضات زهيدة تتلاشى عند الإحالة على التقاعد، وتحول العديد من أعوان السلطة إلى “متسولين”.
أعوان السلطةاحنجوا كذلك على الحكومة ووزارة الداخلية، بسبب انسداد الأفق أمامهم جراء تأخر الترقية، التي أصبحت بعامل السن وليست بعامل الكفاءة والقدرة على تحمل المسؤولية”، مذكرين بتوقيت العمل الذي يقومون به على مدار الساعة والأسبوع والسهر والسنة، مجندين بلا هوادة في أعمال متواصلة، لا تخضع لأية ضوابط لمدونة الشغل، بل لمزاج وأهواء رجال السلطة، تحت ضغط تنفيذ الأوامر السلطوية، التي تصل إلى السب والإهانة في حقهم من طرف رؤساء المقاطعات الحضرية.
.