الكارة تحتضن حفل توقيع كتاب سبع رسائل إلى صالح بن طريف
نظمت جمعية المواهب للتربية الاجتماعية(فرع الكارة) وجمعية الأحمر بمنصور للثقافة والتنمية والبيئة (أحلاف) وجمعية الصفاء للتنمية والثقافة والتضامن (الردادنة أولاد مالك)، مساء السبت 18 مارس 2023 بدار الطالب والطالبة بمدينة الكارة قراءة في كتاب الباحث والروائي شعيب حليفي: “سبع رسائل إلى صالح بن طريف”.
الصادر في طبعته الثانية عن منشورات نادي القلم المغربي (2023)، وذلك بمشاركة المؤرخ محمد معروف الدوفالي والباحث في الثقافة الشعبية عمر امرير، وتنشيط رشيد رزقي، وبمشاركة الفنان جمال الدين بك، وبحضور نوعي مهم لأساتذة وباحثين ومهتمين بتاريخ المنطقة ولحفيدات وأحفاد بعض المقاومين الكبار بمنطقة المذاكرة(الأحمر بن منصور، محمد بن زروال الادريسي، ادريس الادريسي).
بدأ اللقاء بكلمات افتتاحية للجهات المنظمة، تلتها كلمة للدكتور محمد معروف الدوفالي الباحث المختص في التاريخ قدم من خلالها قراءة تاريخية في هذا الإصدار، مبتدئا بوصف وتحليل لمحتويات الكتاب ومبديا صعوبة تجنيسه ( كعمل تاريخي أو أدبي) في ظل غياب أي مؤشر يدل على نوعه على ظهر “الكتاب”، ثم أبرز قيمته المضافة المتمثلة في نزوع مؤلفه إلى نوع من الخيال (سماه الدوفالي بالخيال العلمي)؛ ليس من جنس الخيال المحض، بل هو الخيال الذي يساعد على إمكانية الحسم في مجموعة من القضايا والإشكالات التي لم يحسم فيها المكتوب/ الوثيقة التاريخية، بما في ذلك مشكلة بورغواطة –موضوع هذا الكتاب، التي يعتبر حليفي أن تاريخها تعتريه حقائق زائفة (ص7).
كما عرج الدوفالي إلى سبب صدور الكتاب، معتبرا أن الأمر مرده الى قلق يستشعره المؤلف بصدد الواقع الراهن، فالرسائل الموجهة لصالح بن طريف موجهة إلى عصرنا وأهله، وبالتالي ثمة علاقة جدلية واضحة بين الماضي والحاضر في نص حليفي، بما يفضي إلى اعتبار الكتاب بحثا في الذاكرة الجماعية للمغاربة و الهوية المغربية ومحاولة للجواب عن سؤال من نحن؟، والأجوبة موجودة في الكتاب بدون مواربة -كما يقول الدوفالي- من خلال ما تنطوي عليه الرسائل -الموجهة إلى صالح بن طريف أو بويا صالح، الأقرب لنفس الكاتب والثاوي في كتاباته الأخرى-، من دلالات وإشارات تحيل إلى معاني الحرية والثورة ورفض الظلم..، كما يمر إلى مسألة اجتثاث البورغواطيين التي ساقها المؤلف في متن كتابه، معتبرا إياها عقدة الكتاب وإشكاليته، مؤكدا أن حليفي يترافع كمحامي متطوع عن بورغواطة من خلال إعادة دراسة ما كتبه المؤرخون لسد البياضات، منتقدا في ذلك مصدر المعلومات التي اعتمدوا عليها في رواياتهم، خاتما حديثه باعتقاده أن هذا العمل يشكل مقدمة لعمل روائي عن بورغواطة لعله لم يختمر بعد في ذهن صاحب الكتاب .
بعد ذلك تناول الكلمة عمر امرير الباحث في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، مقدما قراءة من منظور ثقافي للكتاب، مبديا أولا الأسباب التي دفعته للاشتباك مع هذا الإصدار، وهي تتعلق من جهة بعلاقته الشخصية الودية(كان يخاطب المؤلف بابن عمي) بالكاتب بحكم اشتغالهما المشترك بكلية الآداب ابن مسيك بالبيضاء، ومن جهة ثانية بتقاطعاته المعرفية مع الكاتب، من خلال المشترك الثقافي الذي يجمعهما (الشاوية/سوس)، مستشهدا في هذا الصدد باكتشافه عند إعداده لأطروحة الدكتوراه حول”رموز الشعر الأمازيغي وتأثرها بالإسلام” لقصيدة شعرية لأحد الشعراء الأمازيغ يحتفي فيها ناظمها بأمجاد المقاومة في الشاوية وصمودها ضد المستعمر رغم بعد المسافات.
إثر ذلك قدم امرير قراءة سيمولوجية في غلاف الكتاب الذي أبدعه الفنان التشكيلي خلدون بوشعيب وأفرغ فيه رمزيات كثيرة، محيلا إلى الدلالات والرموز التي ينطوي عليها: (شكل الكتاب (أفقيا) يشبه ظرفا مستطيلا توضع فيه الرسائل، الطوابع البريدية، الأختام..)، وهي رموز تنبأ عن مضمون الكتاب باعتباره مجموعة رسائل(سبع رسائل) إلى الرجل الثاني في الإمارة البورغواطية “صالح بن طريف” الذي حكم منطقة تامسنا (من 743 م إلى 788م).
مبرزا أن الروائي –حليفي نموذجا- يبعث الروح في ما تركه المؤرخون جامدا، دون أن يتقيد بضوابطهم بالضرورة، بالمقابل فإن المؤرخ ينتقل لكتابة العمل الروائي كحيلة فنية ليعبر عن مواقف معينة كان يخفيها.
وبالحديث عن مشروعية قراءته لهذا العمل، يبرر ذلك امرير بالتقاطعات الكثيرة بين ثقافة تامسنا والثقافة الأمازيغية بما في ذلك أسماء الأمكنة التي تتشابه بين ثقافة الشاوية (مسقط رأس الكاتب) والأمازيغية في الأطلس الكبير(مسقط رأس امرير) على غرار (المزامزة/ امزميز/تمضروست/ أمضروست..)، مستشهدا في هذا السياق ببيت شعري للشاعر الأمازيغي الحاج بلعيد (1945) عبر فيه أنه باع نفسه للخيال الشعري على غرار ما عبر عنه حليفي(2022) بكونه باع نفسه للخيال(ص5)، معتبرا أن هذه التقاطعات(الأدبية- الأماكن..) تتجاوز المصادفة لتعبر عن المشترك المغربي في اللباس، الأطعمة، الفنون، اللغات، المصير..
ومن الإشارات الرمزية التي يشير إليها صاحب أطروحة رموز الشعر الأمازيغي وتأثرها بالإسلام دلالة الرمز 7 في متن الكتاب(سبع رسائل/ سبع ملوك/ 7 صفحات في ثبت المراجع..)، معتبرا أن هذا الرقم/ الرمز له دلالة إيجابية، وقد استدعاه الكاتب للبحث عن رجال لبورغواطة على غرار سبع رجال في مراكش، سبع رجال في ركراكة.. منتهيا بالتأكيد على أن هذا العمل تجربة مهمة في الابداع المغربي، يروم رد الاعتبار لتراث تامسنا ورجالاتها وتاريخها..
أما بخصوص مداخلة الدكتور حليفي، فبعد شكره للجمعيات المنظمة، ذكًر بالجهود الأكاديمية والفردية التي اشتغلت على تاريخ الشاوية بعدما كانت قبل الثمانينات في طي النسيان، معتبرا أن الشاوية عامة والمذاكرة خاصة منجم من ذهب من الأعلام والرجالات في الجهاد والفقه والعلم..
ثم تطرق لسياق إصدار كتابه الأخير –موضوع القراءة- معتبرا إياه يندرج في إطار التنبيه على تاريخنا المنسي، ومن بينه تاريخ بورغواطة الممتد طيلة 4 قرون، متعجبا من إهمال المؤرخين المغاربة لهذا التاريخ وما يزخر به من حمولات قيمية ورموز (بويا صالح، الأحمر بنمصور..)، مشيرا إلى أهمية البحث الأركيولوجي(الأثري) في إثبات فرضيات الكتاب أو نفيها .
وتفاعلا مع مداخلة الأستاذين المناقشين صرح صاحب رواية “لا تنس ما تقول” الفائزة بجائزة المغرب للرواية سنة 2020، بأنه لم يحبذ كتابة “رواية” لكي لا يلتبس على القارئ الحدود بين الحقيقي والمتخيل في هذا العمل – رغم اعترافه بكونه ليس مؤرخا- ولكنه انطلاقا من تجربته في الكتابة حاول إعادة قراءة تاريخ بورغواطة من جديد بطريقة فنية، وختاما دعا إلى الاهتمام بتاريخ الشاوية والمذاكرة وتخصيص جوائز للباحثين حول أعلام المنطقة رجالا ونساء، بقصد الارتباط بذاكرتنا المشتركة وبناء المستقبل انطلاقا منها.
وفي نهاية اللقاء -بعد مناقشة الحضور للكتاب- تم الاحتفاء ببعض حفيدات بعض المقاومين بالمذاكرة من أجيال مختلفة على نغمات عود الفنان الملتزم جمال الدين بك، وذلك بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، وكذلك اعترافا بأدوار هؤلاء المقاومين وتخليدا لذكراهم الطيبة.