امحمد أقبلي يكتب : الذكرى 46 لاسترجاع وادي الذهب: قراءة تاريخية، استراتيجية، وسوسيولوجية في رمزية الوحدة الوطنية

✍️ بقلم: د. امحمد أقبلي
رئيس جماعة أجلموس
مدخل – الذاكرة الوطنية كقوة استراتيجية
تحل اليوم الذكرى السادسة والأربعون لاسترجاع إقليم وادي الذهب، وهي مناسبة وطنية خالدة تؤرخ لمحطة مفصلية في مسار استكمال الوحدة الترابية للمملكة المغربية. إنها ليست مجرد حدث في سجل التاريخ، بل علامة مضيئة في الذاكرة الجماعية تجسد عمق التلاحم بين العرش والشعب، وترسخ حقيقة أن وحدة المغرب نُسجت عبر قرون من البيعة المتبادلة والانتماء المشترك.
هذه الذكرى ليست عودة إلى الماضي فحسب، بل هي منصة لإعادة قراءة الحاضر واستشراف المستقبل، في ظل سياق إقليمي ودولي يضع قضية الصحراء المغربية في قلب التحولات الجيوسياسية.
من المسيرة الخضراء إلى بيعة وادي الذهب
بعد نجاح المسيرة الخضراء سنة 1975 في تحرير الساقية الحمراء، ظل إقليم وادي الذهب تحت السيطرة الإسبانية حتى 14 غشت 1979، حين قرر أعيان وشيوخ القبائل الصحراوية التوجه إلى القصر الملكي بالرباط لتجديد بيعتهم التاريخية للعرش العلوي.
في خطابه التاريخي آنذاك، قال جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله:
> “إننا نسترجع اليوم جزءًا عزيزًا من وطننا، بفضل إيمان أبنائه ووفائهم، وهذا العهد الذي نجدد طوقه اليوم هو امتداد لعهد الأجداد والآباء.”
لقد شكّل هذا الحدث لحظة توحيد رمزية وقانونية، حيث التقت الشرعية التاريخية للبيعة بالشرعية السياسية الدولية، مما عزز الموقف المغربي في المحافل الأممية.
الأبعاد الاستراتيجية – من استرجاع الأرض إلى ترسيخ السيادة
منذ استرجاع وادي الذهب، انتقلت القضية الوطنية من مرحلة الدفاع عن الأرض إلى مرحلة توطيد النفوذ وترسيخ التنمية، ضمن رؤية ملكية واضحة تقوم على:
1. ترسيخ الاعتراف الدولي عبر مبادرة الحكم الذاتي التي وصفها مجلس الأمن بـ”الجادة وذات المصداقية”.
2. تعزيز الحضور الدبلوماسي من خلال افتتاح أكثر من 30 قنصلية عامة في العيون والداخلة.
3. إطلاق النموذج التنموي الخاص بالأقاليم الجنوبية سنة 2015، بميزانية تناهز 77 مليار درهم، يشمل مشاريع كبرى مثل ميناء الداخلة الأطلسي، وشبكات الطاقات المتجددة، وتطوير البنية التحتية.
كما قال جلالة الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة الذكرى 44 للمسيرة الخضراء (2019):
> “المغرب لا يفاوض على صحرائه، ومغربية الصحراء حقيقة ثابتة، على الأرض وفي التاريخ، وبإرادة أبنائها.”
البعد السوسيولوجي – الاندماج المجالي والبشري
لم يكن استرجاع وادي الذهب مجرد حدث سياسي، بل نقطة انطلاق لإعادة إدماج المجال الصحراوي في النسق الوطني.
اجتماعيًا: تحسنت مؤشرات الصحة والتعليم والبنية الاجتماعية.
اقتصاديًا: ارتفع الناتج الجهوي بفضل قطاعات الصيد البحري والسياحة والطاقات المتجددة.
ثقافيًا: تم الحفاظ على الموروث الحساني كمكوّن أصيل للهوية المغربية.
ويؤكد هذا التوجه ما جاء في خطاب جلالة الملك محمد السادس (المسيرة الخضراء – 2020):
> “الأقاليم الجنوبية، بما تزخر به من طاقات بشرية ومؤهلات طبيعية، تمثل جسرًا للتواصل بين المغرب وعمقه الإفريقي.”
رمزية الذكرى في السياق الإقليمي والدولي
الذكرى 46 تأتي اليوم في سياق دولي يكرّس نجاح المغرب في فرض واقع دبلوماسي جديد، يتميز بـ:
تزايد الاعترافات الدولية بمغربية الصحراء.
توسع شبكة الدعم الإفريقي والدولي.
إدراج الصحراء المغربية في الاتفاقيات الاقتصادية مع شركاء استراتيجيين كبار.
هذه الدينامية جعلت من القضية الوطنية ورقة قوة استراتيجية في السياسة الخارجية المغربية.
خاتمة – الوفاء للتاريخ والانفتاح على المستقبل
إن الاحتفال بذكرى استرجاع وادي الذهب هو وفاء للتاريخ، وتجديد للعهد مع الوطن، وتأكيد على أن الوحدة الترابية مسؤولية جماعية لا تقبل المساومة.
كما قال الملك الحسن الثاني رحمه الله:
> “وحدتنا الترابية أمانة في أعناقنا جميعًا، لا نساوم فيها ولا نتهاون بشأنها.”
وكما أكد جلالة الملك محمد السادس:
> “المغرب في صحرائه، والصحراء في مغربها، وسيظل الأمر كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.”
📚 المراجع:
الخطب الملكية (الحسن الثاني – محمد السادس) في مناسبات وادي الذهب والمسيرة الخضراء.
دستور المملكة المغربية 2011.
برنامج النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية – وكالة تنمية الأقاليم الجنوبية.
قرارات مجلس الأمن بشأن الصحراء المغربية (2007 – 2024).
تقارير المندوبية السامية للتخطيط ومؤشرات التنمية الجهوية.
✍️ الدكتور امحمد أقبلي
رئيس جماعة أجلموس – جميع الحقوق محفوظة