مذكرات المناضلة ثرية التناني : الليلة الاولى بالسجن المدني بني ملال “الحلقة 1” – يتبع
الليلة الأولى
عند باب الزنزانة، حاولت أن أتبين زوايا المكان، حدقت مليا، رأيت كيف تكدست النسوة، وكيف وقفت شابتان تشرئبان بعنقيهما، يدفعهما فضول ما، سمعت صوتا هناك، كما سمغت وشوشة في الجانب المقابل للمرحاض الرابض هناك في ركن الزنزانة. و قد لمحت و أنا واقفة أنتظر مصيري، وردة متألقة تلمع في عيني شابة عشرينية كانت تشبه أختي التي كانت محتجزة عند بوليس الفقيه بن صالح. انتحبت بصمت.
قالت السجانة :مكانك هناك قرب المرحاض.
ترى أي حكم ينفذ في حقي الآن؟
و من هم هؤلاء الذين قرروا أن أعاقب بهذه الطريقة المهينة؟
و لماذا هذا الزحام؟
وللمرة الثانية اكتسحني شعور فجائعي، حاولت أن أنكمش في مكاني لكن لم أجد متسعا،و كان قد هدني التعب، و بلغ بي الإرهاق مبلغا عظيما، تمنيت فقط أن أتمدد لأنام لكن ما كان بمقدوري أن أكافح التعب و لا الأرق.
كانت الزنزانة تتلفع بجو قاتم بارد، و اللون الرمادي ساهم دون أن يدري في أن يجعل السجن آلة جهنمية رهيبة، و الأضواء الخافتة توحي بكل شيء عن شراسة هذا المكان و بشاعته، و في الجدران المكسوة بالخوف تكمن عبقرية سادية الجلادين في انتهاك حرمة البشر، أما لحظة محاولة النوم ففيها تظهر حقيقة هذا المكان الذي يشبه الأمكنة الميتولوجية و عوالمها المرعبة.
وكان صعبا علي أن أستوعب هذا الذي أنا فيه رغم أن التداخل بيني وبين السجن يمتد مذ قرأت شرق المتوسط لعبد الرحمن منيف….
يتبع